طوال عقدين من الزمان ظل اختيار أغلب القيادات الثقافية متأرجحا بين مدرستين الأولي ترفع شعار دعه يعمل دعه يمر الذي فتح الباب واسعا لفساد الذمم ويمكنك ان ترصد انجازاتها في نيابة الاموال العامة وتقارير الجهاز المركزي للمحاسبات بينما المدرسة الثانية ترفع شعار "دعه يفشل دعه يموت" ويتم اختيارها لقيادة مؤسسات رأت الوزارة ان فسادها فاحت ريحته وتنتهي غالبا بالموت المعنوي للمؤسسة او المادي للأدباء وتاريخها مشهور في محاكم الجنايات.
المدرستان لسوء الحظ أدارتا معرض الكتاب ومن العجب ان الكل الآن يترحم علي أيام الفساد العظيمة التي قدمت للمعرض أزهي عصوره مقارنة بخيباته الراهنة وأنا أكاد اسمع المعرض يقتبس من اشعار أبي العتاهية ألا ليت الفساد يعود يوما لأخبره بما فعل الضمير.
إذا استمر الوضع كما هو عليه فنحن أمام خيارين الأول ان نناشد السيد الوزير البحث سريعا عن إدارة فاسدة الضمير قادرة علي ان "تنجز" معرضا يليق باسم مصر او نتمسك بالشرف الرفيع حتي يراق علي شوارعنا دم المعرض نفسه.
أما إذا اردنا المصلحة العامة فعلينا ان نعيد النظر في فكرة اسناد مهمة إدارة المعرض لاتحاد الناشرين كما يحدث في كل معارض قارات الدنيا السبع. غير ان هذا يحتاج أولاً أن نتفق علي إجابة السؤال الرئيسي وهو هل نريد معرضا للكتاب او مجرد سوق؟
والفارق بين الاثنين عظيم ويكفي ان تعرف ان معرضنا طوال العقود الاربعة الماضية لم يكن يحظي بالمكانة الدولية لانه يفتقد تقريبا لكل مقوماتها وعندما بدأنا مراعاتها تزايد صراخ الادباء لأنهم اعتادوا الحياة في مناخ السوق بما يضمه من ندوات ساخنة ومهرجانات جاذبة للجماهير بينما المعرض مهمته الاساسية عقد الصفقات بين الناشرين وحفظ حقوق الملكية ومناقشة هموم صناعة النشر ومستقبلها.
معرض أم سوق؟ تلك هي المشكلة والاختبار اكبر من قدرة قيادة هيئة الكتاب الآن وأظن انه اكبر من قدرة وزير الثقافة نفسه ومن العبث تحميلها للناس عبر استطلاع مضلل للرأي القرار يحتاج لحوار كبير بين المؤسسات المعنية بالثقافة نبدأه هنا في "الجمهورية".