[b]ملحق رسالة
"حكم الاحتفال بالمولد
والرد على من أجازه"
للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله
بعد ما نشر ردنا على الشنقيطي كتب مرة أخرى في الموضوع رددنا عليها بالرد التالي:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد وآله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فقد نشرت جريدة الندوة في العدد الصادر يوم السبت 16 / 4 / 1382 هـ للشنقيطي محمد مصطفى العلوي في تبرير الاحتفال بالمولد النبوي مقالاً آخر تحت عنوان
هذا ما يقوله ابن تيمية في الاحتفال المشروع بذكرى المولد النبوي)، مضمون ذلك المقال: أن شيخ الإسلام ابن تيمية يرى الاحتفال بالمولد النبوي، واعتمد الشنقيطي في تلك الدعوى على ثلاثة أمور:
1- قول شيخ الإسلام في "اقتضاء الصراط" في بحث المولد
فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم؛ لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله r كما قدمت أنه يستحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد).
يقول الشنقيطي: فكلام شيخ الإسلام- يقصد هذه العبارة- صريح في جواز عمل مولد النبي r، الخالي من منكرات تخالطه.
2-قول شيخ الإسلام في "الاقتضاء" أيضاً
إذا رأيت من يفعل هذا- أي المنكر- ولا يتركه إلا إلى شر منه، فلا تدع إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر،أو بترك واجب أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه).
يقول الشنقيطي
من الجدير بالذكر ما أشار إليه شيخ الإسلام أن مرتكب البدعة لا ينهى عنها إذا كان نهيه عنها يحمله إلى ما هو شر منها، ومن المعلوم عند العموم: أن أكثر أهل هذا الزمان يضيعون الليالي وخصوصاً ليلة الجمعة في سماع أغاني أم كلثوم وغيرها من حفلات صوت العرب الخليعة مما يذيعه الراديو والتلفزيون، فلا يخفى على مسلم عاقل أن سماع ذكر صفة وسيرة رسول الله r خير من سماع الأغاني الخليعة والتمثيليات الماجنة).
3- دعوى أن شيخ الإسلام ابن تيمية لا ينكر الابتداع في تعظيم رسول الله ، ويذكر الشنقيطي أن أكبر شاهد على ذلك تأليفه كتاب "الصارم المسلول".هذا ما ذكره الشنقيطي مما برر به هذه الدعوى الباطلة.
والحق أنه إنما أٌتي من سوء فهم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وسيرته، وفي نوع ما وقع فيه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب "الاستغاثة"
الوهم إذا كان لسوء فهم المستمع لا لتفريط المتكلم لم يكن على المتكلم بذلك باس، ولا يشترط في العلماء إذا تكلموا في العلم أن لا يتوهم متوهم من ألفاظهم خلاف مرادهم، بل ما زال الناس يتوهمون من أقوال الناس خلاف مرادهم)، وهذا هو عين ما وقع للشنقيطي في عبارات شيخ الإسلام ابن تيمية .
وإلى القراء بيان ذلك فيما يلي:
أما قول شيخ الإسلام
فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم؛ لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله r)، فليس فيه إلا الإثابة على حسن القصد، وهي لا تستلزم مشروعية العمل الناشئة عنه؛ ولذلك ذكر شيخ الإسلام أن هذا العمل- أي الاحتفال بالمولد- يستقبح من المؤمن المسدد، ولكن الشنقيطي أخذ أول العبارة دون تأمل في آخرها، وفي أول بحث المولد في "اقتضاء الصراط المستقيم" فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الذين يتخذون المولد عيداً محبة للنبي r (ص 294، 295):
(والله تعالى قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع من اتخاذ مولد النبي r عيداً، مع اختلاف الناس في مولده، فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا؛ فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله r وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطناً وظاهراً، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان).
فهذا تصريح من شيخ الإسلام بأن إثابة من يتخذ المولد عيداً محبة للنبي r من ناحية قصده لا تقتضي مشروعية اتخاذ المولد عيداً ولا كونه خيراً، إذ لو كان خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا؛ لأنهم أشد محبة وتعظيماً لرسول الله منا.
ثم بعد ذلك صرح شيخ الإسلام بذم الذين يتخذون المولد عيداً، فقال في (ص 295، 296)
أكثر هؤلاء تجدهم حرصاء على أمثال هذه البدع مع ما لهم فيها من حسن القصد والاجتهاد الذي يرجى لهم به المثوبة، تجدونهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يزخرف المسجد ولا يصلي فيه، أو يصلي فيه قليلاً، وبمنزلة من يتخذ المسابح والسجادات المزخرفة، وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع ويصحبها من الرياء الكبير والاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها).
وقال شيخ الإسلام في "الاقتضاء"(ص 317)
من كانت له نية صالحة أثيب على نيته وإن كان الفعل الذي فعله ليس بمشروع إذا لم يتعمد مخالفة الشرع).
وصرح في (ص290) بأن إثابة الواقع في المواسم المبتدعة متأولاً أو مجتهداً على حسن قصده لا تمنع النهي عن تلك البدع والأمر بالاعتياض عنها بالمشروع الذي لا بدعة فيه، وذكر أن ما تشتمل عليه تلك البدع من المشروع لا يعتبر مبرراً لها( 1 ).
كما صرح في كلامه على مراتب الأعمال بأن العمل الذي يرجع صلاحه لمجرد حسن القصد ليس طريقة السلف الصالح، وإنما ابتلى به كثير من المتأخرين، وأما السلف الصالح فاعتناؤهم بالعمل الصالح المشروع الذي لا كراهة فيه بوجه من الوجوه، وهو العمل الذي تشهد له سنة رسول الله r ثم قال
وهذا هو الذي يجب تعلمه وتعليمه، والأمر به على حسب مقتضى الشريعة من إيجاب واستحباب)، أضف إلى هذا أن نفس كلام شيخ الإسلام
فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له أجر عظيم لحسن قصده) إلخ، إنما ذكره بصدد الكلام على عدم محاولة إنكار المنكر الذي يترتب على محاولة إنكاره الوقوع فيما هو أنكر منه، يعني أن حسن نية هذا الشخص- ولو كان عمله غير مشروع- خير من إعراضه عن الدين بالكلية.
ومن الأدلة على عدم قصده تبرير الاحتفال بالمولد تصريحاته في كتبه الأٌخر بمنعه، يقول في "الفتاوى الكبرى"
أما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال: عيد الأبرار فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها).
وقال في بعض فتاواه
فأما الاجتماع في عمل المولد على غناء ورقص ونحو ذلك، واتخاذه عبادة، فلا يرتاب أحد من أهل العلم والإيمان أن هذا من المنكرات التي ينهى عنها، ولا يستحب ذلك إلا جاهل أو زنديق).